طوّر ذاتـك

مفاتيح التميز (3) التحفيز … القوة الدافعة للتميز البشري

Share

مفاتيح التميز (3) التحفيز … القوة الدافعة للتميز البشري

وهل تعرف أحدًا كان يتمتع بوظيفة ملائمة، ومرتب مُجز، ولكنه على الرغم من ذلك استقال؛ لأنه يفتقد التحفيز؟


عندما تكون محفزًا، فإن مستوى أدائك يكون في القمة، والعكس صحيح، فعندما تفتقد التحفيز ينخفض مستوى أداؤك، ولقد أصبح التحفيز الآن أكثر من أي وقت سابق موضوعًا هامًا للمناقشة، وقد صدر كثير من الكتب في هذا الموضوع، والتي تؤكد على أهميته، وأصبح الآن كثير من المدراء يسعون لتعلم التحفيز، وكيفية استغلاله لدفع مرؤوسيهم لتحقيق الأهداف المرجوة، والنتائج المجزية، والمربحة.


كما أنه نتيجة لتزايد عالم التجارة التنافسية اليوم، يتطلب وجود عمالة عالية الحفز، وهو أمر له ضرورة ومهمة للمديرين، فحفز الأفراد يبين لك أفضل طريقة لوضع نظريات الحفز، وصياغتها وتحويلها إلى واقع عملي أو تطبيقها؛ لإيجاد بيئة إيجابية بناءة، وتعزيزها في موقع العمل.


ولكنك قد تتساءل: ما هو التحفيز؟ ومن أين جاءت هذه الكلمة؟


هي كلمة يونانية الأصل، تعني ليحرك، قاموس وبستر يعرّف التحفيز على أنه فعل، أو قول شيء يدفع شخصًا؛ لأن يحدث فعلًا، ولكن من أين يصدر هذا التحفيز؟


يقول د. دينيس واتلي ـ مؤلف كتاب (التحفيز من الناحية النفسية) ـ، أن التحفيز يصدر عن رغبة، فعندما تكون لديك رغبة قوية لتحقيق هدف معين، أو عندما يواجهك نوع من التحدي، بينما تريد أن تحدث تغييرًا نحو مستوى أفضل، فإنك تكون محفزًا، وفي مثل هذه الحالة عندما تكون في قمة التحفز، فإنك تسعى نحو تحقيق هدفك، ولا يثبط من همتك أي عوائق أو إخفاقات.


عملية التحفيز:


(رحلة الألف ميل تبدأ من موقع قدميك الحالي)

لاو تسي


قبل أن تستغل قوة التحفيز لتحقيق نجاحات عظيمة، عليك أن تتعلم أولًا عملية التحفيز نفسها، وهي كالآتي:


1. الرغبة:


فالتحفيز يبدأ برغبة قوية؛ لتحقيق حياة أفضل.


2. التخيل:


تخيل أنك تحقق حلمك، أنك تعيشه بالفعل.


3. الحديث مع النفس:


تحدث مع نفسك، بشكل يمنحك القوة، ويستثير همتك، واحرص على أن تقول لنفسك دائمًا: أستطيع أن أفعل هذا، حتى يصبح جزءًا من الواقع.


4. الفعل (التنفيذ):


ضع معرفتك وقوتك في حيز التنفيذ، واحرص على أن تكون وتفعل، وتحصل على ما تريد.


إليك مثالًا:


فإذا كنت تحلم بأن تكون المدير العام في شركتك، اغمض عينيك، وتخيل أنك أصبحت بالفعل في هذا المنصب، ابدأ بعد ذلك أن تقول أستطيع أن أفعل ذلك عشر مرات، ثم اتبع ذلك بالعمل على تنفيذ هدفك، تعلم مهارات جديدة، اعمل أكثر، قدم شيئًا جديدًا، وعليك أن تسعى لتحقيق حلمك، مهما أخذ ذلك من الوقت، ويقول جورج بيرنارد شو: (بعض الناس يرون حقيقة الأمور، ومع ذلك يقولون "لماذا"، وأنا أحلم بأشياء لم تكن يومًا حقيقة، وأقول "لم لا؟").


أنواع التحفيز الثلاثة:


1. حافز البقاء الأساسي:


(أن أهم حافز يحرك البشر هو حافز البقاء)

أبراهام ماسلو


هذا النوع من التحفيز يغطي كل حاجات الإنسان الأولية، مثل: الغذاء، الماء، الهواء، وإذا فقد الإنسان أي من هذه الاحتياجات؛ فسيكون لديه دافعًا أساسيًا حيث يتشكل داخله، ويحرك مراكز عصبية متعددة في مخه، وبينما يتزايد إنفعال الخلايا العصبية؛ يتحفز الإنسان بدنيًا ليفعل كل ما يتطلبه الأمر لإشباع هذه الحاجة، ويعود جسمك إلى حالته الطبيعية، عندما يتم إشباع هذه الحاجة فقط، ومنعًا للتعقيد سوف أعطيك مثالًا:


إذا عدت يومًا إلى المنزل بعد يوم عمل شاق وطويل، وأنت منهك القوى، ولا تستطيع أن تقوم بأي شيء.


وفجأة تسمع صوت صراخ: نار … نار … وأصوات إنذار الحريق، وأناس تجري هنا وهناك، فماذا تفعل آنذاك؟


بالطبع سوف تجري مثل الآخرين، فمن أين جاءت لك هذه القوة والطاقة؟ الإجابة: أنك كنت مدفوعًا بحافز وبدافع البقاء لتنقذ حياتك، وهذا هو الذي أطلق داخلك الطاقة لتجري.


ومثال آخر للتوضيح، في إحدى الندوات سُئل د. إبراهيم الفقي: هل تعتقد أن حافز البقاء يمكن أن يحرك شخصًا كان مريضًا، وخرج لتوه من المستشفى؟ فأجابه: بالطبع إذا وضعت كلبًا جائعًا خلفه؛ فإنه سوف يجري ليتفوق على أبطال الجري، وبشكل عام عندما يتعلق الأمر بالبقاء فإنك تكون مبدعًا، يقظًا، وأيضًا محفزًا، تخيل أن يصبح لك هذا النوع من التحفيز كل الوقت لإبداعك ستكون قويًا، وستكون النتائج التي تحققها ممتازة.


2. التحفيز الخارجي:


هذا النوع من التحفيز يأتي من المحيط الخارجي، فمثلًا في العبارات أو الأحاديث التي تثير الحماسة، وقد يكون مصدر التحفيز من أصدقاءك، وقد يكون مقالة في مجلة من خلال وسائل الإعلام المختلفة، وقد يكون مصدر هذا التحفيز رئيسك في العمل، ومشكلة المحفزات الخارجية، أنها عادة لا يستمر أثرها فترة طويلة؛ فتخبو قوة دفعها بعد فترة قصيرة.


فمثلًا: هل حدث، وحضرت ندوة للتحفيز؟ إذا كانت إجابتك هي (نعم)، فسوف أسألك عن مدى فاعلية هذه الندوة لتحفيزك؟ وكيف كان أثرها عليك بعد أسبوع، بعد شهر، بعد ستة أشهر؟ والآن … بالتأكيد فإن مستوى تحفيزك قد أخذ يخبو، ويضعف مع مرور الوقت.


دعني أطرح عليك سؤالًا آخرًا: إذا حيّاك رئيسك في العمل بإبتسامة عريضة، فكيف سيؤثر ذلك على يومك؟ وإذا حدث العكس، فهل سيؤثر ذلك على يومك أيضًا؟ سوف تؤكد أن ذلك قد يؤثر على مشاعرك، وقد يستمر هذا التأثير لفترة طويلة، لعله من سوء الحظ أن البشر يعتمدون بدرجة كبيرة على التحفيزات الخارجية، للشعور بأنهم محل تقدير الرئيس، أو الصديق، أو شريك الحياة، أو أي شخص ذي أهمية.


3. التحفيز الداخلي:


يُعد هذا النوع من التحفيز، أكثر الأنواع الثلاثة قوة، واستمرارًا في التأثير والفاعلية؛ ويرجع السبب في هذا إلى طبيعة هذا النوع، فإنك تكون مدفوعًا بقوتك الذاتية لتحقق أهدافك السامية.


(كل شيء يحدث نتيجة سبب ما، ولكل سبب تأثير، ولكل تأثير سواء علمته أم لا أسبابًا معينة، فليس هناك مصادفات).

بريان تراسي


منذ 2000 عامًا مضت، كان الفيلسوف سقراط، أول من أشار إلى وجود قانون عقلي للسببية، وهو ما يشير إليه اليوم علماء النفس على أنه (السبب والنتيجة)، فلكل سبب نتيجة، إذا تكرر السبب تكررت نفس النتيجة، بعبارة أخرى إذا استطعت أن تستعيد نفس الأشياء التي كانت تحفزك في الماضي، فإنك سوف تستطيع أن تحفز نفسك دائمًا وأبدًا.


في البرمجة اللغوية التصورية، يوجد إفتراض ينص على أن (لدى كل إنسان في تاريخه كل الثروات التي يحتاجها؛ لكي يحدث أي تغير إيجابي)؛ لذلك حاول معي أن تقوم بهذه التجربة العملية:


اغلق عينيك، تنفس بعمق، وتذكر وقتًا كنت فيه في قمة التحفيز، تذكر خبرة معينة مرت بك، تحاول أن تعيشها ثانية كما لو كانت حقيقة واقعة لك الآن.


تنفس بنفس الطريقة، اجلس أو قف بنفس الشكل، حاول أن تشعر بنفس الأحاسيس التي مرت بك في هذه الخبرة الماضية، إذا ما استطعت أن تؤدي هذا التمرين؛ فسوف تكون محفزًا الآن.


إن التحفيز الداخلي بمثابة وظيفة داخلية، فنحن نحتاج إلى أن نكون قادرين على تحفيز أنفسنا، حتى يصير تحفيزنا من أعماق ذاتنا، ولا نحتاج إلى أي عوامل خارجية، فيشير مارك توين: (إذا لم تستطع أن تحصل على المديح، قم أنت بامتداح نفسك بشكل أو بآخر، إذا لم يمتدحك الآخرون، فقم أنت بمدح نفسك).


حاول أن تدخل في أعماق نفسك، استرجع خبرات التحفيز الماضية، اشعر بها، واستمتع بها، حاول أن تعايشها قدر استطاعتك، فيذكر الكسندر جراهام بل: (أنا لا أستطيع أن أجزم بماذا تكون هذه القوة، فكل ما أعرفه هو أنها موجودة، وأنها تصبح متاحة فقط عندما يكون المرء في تلك الحالة الذهنية، التي يعرف أثناءها ماذا يريد بالضبط؟ ويصر على ألّا يتوقف حتى يجد ما يريد).


تذكر دائمًا أن هناك قوة ذاتية هائلة، تكمن في داخلك لتحفيزك، وكل ما عليك هو أن تتذكر وقتًا محددًا كنت فيه في قمة التحفيز، وحاول أن تعيش هذه التجربة مرة أخرى بكل حواسك ومشاعرك.


وأخيرًا:
أختم بقول بريان تراسي: (عزز ما تريد أن تراه يتكرر، فإن المكافأة تساعد على الإنجاز)، وسوف نكمل في المرة القادمة ـ إن شاء الله ـ، الجزء الرابع من سلسلة مفاتيح التميز.

Share
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error:
إغلاق
إغلاق