نبضات حرف وبوح روح

فـرحٌ كلُـهــا الحيــاة

Share

فـرحٌ كلُـهــا الحيــاة

أكتبُ هذا العنوان مناكفةً لأبي العلاء «رهين المحبسين» في تشاؤمه في قصيدته الذائعة:

غَيْرُ مُجْدٍ في مِلّتي واعْتِقادي … نَوْحُ باكٍ ولا تَرَنّمُ شادِي

وشَبِيهٌ صَوْتُ النّعيّ إذا قِي … سَ بِصَوْتِ البَشيرِ في كلّ نادِ

تَعَبُ كُلّها الحَياةُ فَما أعْـ … جَبُ إلاّ مِنْ راغبٍ في ازْديادِ

 

ليس ينكر أن الإنسان خُلق في كَبَد، وهو كادح إلى ربه كدحاً فملاقيه.

جمالية الحياة في تحدياتها وصعابها؛ هي أشبه بلعبة (التركيبة)، متعتها في المحاولة، والفشل، والتكرار.. ولأمر ما وصفها خالقها بأنها: (لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ)(الحديد: من الآية20)، وليس في هذه الأوصاف ذم مطلق، إنما يُذَمُّ الاستغراق فيها، والركون التام إليها.

لعبة القلوب المُتَلفِّتَة..

وَتَلَفَّتَت عَيني فَمُذ خَفِيَت … عَنها الطُلولُ تَلَفَّتَ القَلبُ

الحب ابتلاء للصبر، والعفة، والتجمُّل، والوفاء، والكتمان.. (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ)(الأنفال: من الآية24)

نظرة أو همسة تُفضِي لمعاناة طويلة، وتضع الإنسان على حَدِّ السيف؛ بين ألم وأمل، وخوف وطمع، وتنكس رأس السيدة العزيزة فتُقارف الإثم أو تحاوله، وتراود فتاها عن نفسه، وقد شغفها حباً..

قالوا جُنِنت بمن تهوى؟ فقُلتُ لهُم … الحبُّ أعظم مما في المجانين

الحبُّ لا يستفيق الدّهر صاحبه … وإنما يصرع المجنون في الحين!

(قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلِيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ) (يوسف:32)

وحين تسير إليَّ أعانق كل الحكايا القديمة

ويسقط مني وجه الوجوم

وأذكر كيف التقينا؟ وأين؟ وكيف صَحِبنا النجوم؟

دعوتك رب لترحم قلباً ذواه البكاء

وأهفو إليه وأدري بان هواه ابتلاء

أتصفح ربي حين أقول بان هواه قضاء؟

فحين يغيب.. يغيب بصدري الهواء!

مقاومة الحب معركة في أخطر منطقة، والفوز فيها يأتي بعد صبر وإصرار، وإخفاق وعثار، (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)(الأنفال: من الآية24).

سألتُ المحبِّينَ الَّذينَ تحمَّلوا … تباريحَ هذا الحبِّ في سالفِ الدَّهرِ

فقلتُ لهمْ ما يُذهبُ الحبَّ بعدَما … تبوَّأ ما بينَ الجوانحِ والصَّدرِ

فقالُوا دواء الحبِّ حُبٌ يُزيلهُ … مِن آخرَ أوْ نأيٌ طويلٌ على هجرِ

أوِ اليأسُ حتَّى تقنع النَّفسُ بعدَما … رجتْ طمعاً واليأسُ عون علَى الصَّبرِ

«إيناس».. قصة حبي دامت لأكثر من عشر سنوات، مررنا بالكثير من الصعوبات والمعارضات من قِبَل أهلي بسبب اختلاف الجنسية، على الرغم من وجود قرابة أسريَّة بيننا.. كسرنا حاجز المستحيل بثقتنا بربٍ قدير لا مستحيل معه، وحوَّلنا حبنا إلى أسرة سعيدة، ولدينا طفلان هما الأجمل في العالم، وحبنا بعد الله هو السبب لتفادي الكثير من المشكلات الصعبة؛ التي واجهتنا قبل وبعد الزواج، ولا نخجل يوماً أن نحكي قصتنا لأحد؛ ما دمنا لم نفعل ما نخجل منه، أو نُغضب رب العالمين.

«عماد».. هل استطعت التغلُّب على عقبة كفاءة النسب، وإقناع أهلك بأن الكرم التقوى، وأن ميل القلب ليس فيه حيلة؟

وهل تَفَهَّم أهلك «كادي» أن الرجولة والجاذبية ليس لها جنسية، وليست تؤمن بالحدود الجغرافية؟

فارق السن بينكما هل ظل عائقاً أم لان الأهل أمام إصرارك، وأثبتت «وفاء» أن لها من اسمها نصيباً؟

«حنان وجهاد».. أرجو أن تكونوا بخير، هل أثمرت شجرة الحب؟ هل اكتحلت عيونكم بمنتج مشترك يكون كشجرة تمنع رمال العواطف من التنقُّل أو الهجرة؟

خسرت أهلك «منال»، وأرجو أن تكوني كسبت رفيق دربك! فهو مؤلم أن تقفي في وجوههم أمس، ثم تعودي اليوم ودمعتك على خدك، وكلماتك المتقطِّعة تقول: إنه لا يُقدِّر الحياة ولا المسؤولية، ويعيش عالمه الخاص.. أصبحت أشك في دعوى الحب!

هنيئاً لبيوت عامرة بالحب، طافحةً بالبِشْر، جاهزةً للتسامح، قائمةً على الاحترام.

وسلام الله على من ذكرت، ومن طويت، ومن  ناديت بغير اسمه؛ مراعاةً لخصوصيته.

وداعٍ دعا إذْ نحنُ بالخيفِ من منًى … فهيجَ أحزانَ الفؤادِ وما يدرِي

دعا باسمِ ليلَى غيرها فكأنما … أطار بليلَى طائراً كان في صدري!

هل تنسى الأنثى حبها الأول؛ الذي سكن قلبها أول عهدها بالنضج والميل للشريك الآخر؟ هل يُعوِّضها بديل ربما كان أكثر إخلاصاً وتناسباً وواقعية؟ أم ستظل تعيش بجسدها مع إنسان، وعقلها وخيالها مع غيره؟!

تَمنَّيتُ أن أظفر بإحصائية عن حُبٍ يتحوَّل إلى بيت، وأسرة، وتقاسم تكاليف الحياة.. وحُبٍ آخر تتخطَّفه الطير، أو تهوي به الريح في مكان سحيق!

تَمنَّيتُ أن أولئك الذين يستشيرون في إقناع الأهل بقبول الشريك، أو كيف يُذلِّلون عقبات الوصال الحلال.. يخبروننا في نهاية المطاف: ما الذي حدث؟ هل نالوا المراد وحظوا بالإسعاد؟ أم كانت العوائق أقوى من حبهم فاستسلموا؟ أم راجعوا قلوبهم ليتأكدوا أصدق حبها أم طَيْفٌ عارض؟

تَمنَّيتُ أن اسأل أولئك الذين ارتبطوا بعقد وثيق؛ هل وجدوا الحياة شبيهة بما كانوا يرسمون؟ أم حالت بهم الحال، وأبانت الأيام والليالي عمَّا لم يكونوا يتوقعون؟

سؤالات مفتوحة، جواباتها تستكمل الصورة؛ عن أناس عاشوا التجربة ولا يزالون، أو تجاوزوها، أو عانوا تبعاتها، وهم يقولون: «السَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ»، أو يرددون:

دعا لَوْمي فلومُكُما مُعادُ … وقَتلُ العاشقين له مَعادُ

ولو قتلَ الهوى أهلَ التصابي … لما تابوا، ولو رُدّوا لعادوا!

 

______________

د.سلمان بن فهد العودة

Share
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error:
إغلاق
إغلاق