أخبار من هنا وهناك

بعد 39 عاما: إسرائيل تكشف وثائق جديدة عن «حرب أكتوبر»

Share

بعد 39 عاما: إسرائيل تكشف وثائق جديدة عن «حرب أكتوبر»

ما زال جرح الهزيمة فى حرب أكتوبر 1973 مؤلما لإسرائيل، رغم مرور 39 عاما على اندلاعها».. لم تجد صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية عبارة أخرى تعبر بها عن مرارة الإسرائيليين المستمرة طوال كل تلك السنوات من هزيمتهم أمام مصر بجيشها ومخابراتها، فى سياق استعراضها لمضمون مجموعة جديدة من الوثائق التى تكشف المزيد من الأسرار الخاصة بالحرب وكواليسها.

 

وكشفت وزارة الدفاع الإسرائيلية عن مجموعة من وثائق لجنة أجرانات، التى شكلتها إسرائيل للتحقيق فى أسباب الهزيمة الصاعقة التى تكبدها الجيش الإسرائيلى.

وكان الغرور الإسرائيلى وجهود المخابرات المصرية كفيلا بأن تعمى أبصار الإسرائيليين، ليحقق المصريون ضربتهم المباغتة والمذهلة أيضا.

تتضمن الوثائق، التى أفرجت عنها وزارة الدفاع الإسرائيلية، الشهادة التى أدلى بها العميد شموئيل جونين، قائد المنطقة الجنوبية بالجيش الإسرائيلى، خلال حرب أكتوبر 1973، الذى مثل عدة مرات أمام لجنة التحقيق، وسمح الجيش الإسرائيلى بالكشف عن وثيقتين فقط من شهادته.

وتشير إحدى الوثائق إلى أقوال جونين، الذى كان يلقب باسم «جوروديش»، عند مثوله أمام لجنة «أجرانات» للتحقيق، فى ديسمبر 1973، حيث طلب أن يشرح أولا الأجواء التى كانت سائدة فى الجيش الإسرائيلى خلال الفترة التى سبقت اندلاع الحرب، والتى أكد أنها أثرت على طريقة التعامل مع المعلومات الاستخباراتية، وأعطى مثالا على ذلك عبر الإشارة إلى المناقشات التى كانت تجريها قيادة أركان الجيش الإسرائيلى، مطلع عام 1973، فيما يتعلق بتقليص فترة الخدمة للجنود النظاميين بالجيش الإسرائيلى، ويقول: «كان الافتراض الأساسى فى النقاش حول تقصير فترة الخدمة، قائما على أننا لن ندخل حربا جديدة خلال السنتين القادمتين على الأقل».

وكشف جوروديش أمام اللجنة أنه قبل أن يتولى قيادة المنطقة الجنوبية بالجيش الإسرائيلى صدرت وثيقة تتضمن 14 دليلا على استعداد مصر للحرب، وكان ينبغى أن تؤدى تلك الأدلة إلى لفت انتباه الجنود إلى الاستعدادات المصرية لشن الحرب، وكان من بينها أدلة متقدمة للغاية، مثل: رصد جنود قوات خاصة «كوماندوز» مصرية فى الخطوط المتقدمة على الجبهة المصرية، وكانوا يرتدون ملابس مموهة وأحزمة مختلفة عن الأحزمة التى كان يرتديها بقية جنود الجيش المصرى، وأوضج جوروديش أنه عندما يصل جنود الكوماندوز المصريون لا يلتزمون بالأماكن المعتادة، حتى إذا شاهدوا الجنود الإسرائيليين.

واهتم أحد أعضاء لجنة التحقيق، وهو رئيس الأركان الإسرائيلى الأسبق يجال «يادين»، بوثيقة الإنذار المبكر التى تحدث عنها جوروديش، وبدأ التحقيق معه، وسأله ما إذا كانت الوثيقة قد وصلت إلى مستوى الجنود العاملين فى المواقع، وهل وصلت مكتوبة أم لا. فأجاب جوروديش بأن الوثيقة كان ينبغى أن تصل إليهم فعلا، لكنه لا يعرف ما إذا كانت قد وصلتهم مكتوبة أم لا.

لكن «يادين» باغت جوروديش وقال له: «هل تعرف، يخطر ببالى الآن وفى هذه اللحظة شبهة تهديد فظيع: فكل الأمور التى حدثت على الجانب المصرى كانت تحدث بدقة، لكن على عكس الأمور المكتوبة هنا، وهى أمور لم يكن يخطر على بال أحد أن تحدث. على سبيل المثال، سمعنا شهادات عن (فجأة نصب المصريون خيمة ضخمة علنا)، أليس من المحتمل أن تكون الوثيقة التى تحدثت عنها قد وقعت فى يد المصريين؟». وهنا فجر «يادين» قنبلة من العيار الثقيل، بينما أجاب جوروديش قائلا: «سيادة اللواء «يادين»، سوف أسلمك التقارير التى رأيناها، وقد أتيت الآن لأقول إن كل الأدلة التى تم رصدها فى الوثيقة كانت حقيقية وموجودة بالفعل».

ويصر «يادين»: على العكس تماما، لم يكن هناك أى من تلك الأدلة.أليس ممكنا أن تكون تلك الوثيقة قد وصلت إلى يد المصريين، وتعمدوا أن يتصرفوا على العكس تماما من تلك الأدلة المذكورة فى الوثيقة الإسرائيلية؟. فكل ما فعله المصريون أمور غير طبيعية. على سبيل المثال، أصبح الجنود يسيرون بلا أحزمة أساسا، وبلا قبعات مميزة أو واضحة. نصبوا الخيام بدلا من إزالتها، وبدلا من أن يختفى الجنود من الساحة، ذهبوا لصيد السمك، وحصلنا على تقرير من الوحدة 848، وهى وحدة التنصت التابعة للجيش الإسرائيلى، «وتحول اسمها اليوم إلى الوحدة 8200 إيه إم دى»، يقول إنه فى تلك الفترة كان عدد الاتصالات التى أجراها الجنود بذويهم أقل كثيرا مما كان عليه فى 15 مايو 1973 على سبيل المثال، وبالنسبة لحركة العربات، حصلنا مثلا على معلومات بأنهم كانوا يتظاهرون بأنهم يسيرون بعرباتهم إلى الشمال، ثم يعودون إلى الجنوب، وبالنسبة لطرد وإخلاء السكان من منطقة القناة، وجدنا أن العكس هو ما حدث. ففجأة وجدناهم يقولون إنهم يحضرون مواطنين، ومن بينهم نساء وأطفال كى يعملوا. أليس من المحتمل أن تكون هذه الوثيقة قد سقطت فى أيدى المصريين، وتعمدوا التصرف على عكس ما ورد فيها؟

وأصر أعضاء لجنة التحقيق، خاصة «يادين»، ورئيس الأركان الإسرائيلى الأسبق حاييم لاسكوف، ورئيس اللجنة شمعون «أجرانات»، على كشف المزيد من المعلومات حول تلك الوثيقة، وحجم انتشارها، حتى تأكدت مخاوفهم فى النهاية من أن الوثيقة كانت من البداية لدى المخابرات المصرية.

وتوجه «أجرانات» بسؤال إلى جوروديش عما إذا يريد أن يقول إن هذه الأدلة التى رصدها الجيش الإسرائيلى عن استعداد المصريين للحرب لم تكن موجودة، فأجاب جوروديش: «ما أقوله بدقة إن كل هذه الأدلة لم تظهر أبدا حتى لحظة إطلاق النيران واندلاع الحرب».

واعترف جوروديش بأنه لم يكن قلقا بشأن اندلاع الحرب، وأنه أدخل جنوده إلى درجة الاستعداد فقط فى الساعة السادسة والنصف من صباح يوم السبت 6 أكتوبر 1973، فى الوقت الذى كانت تملك فيه إسرائيل معلومات شبه أكيدة بأن الحرب ستندلع فى مساء ذلك اليوم.

وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية فى تقريرها المطول عن الوثائق الجديدة، بعنوان «نبهت رئيس الموساد: سافر إلى (الملاك) فالحرب ستندلع»، أن الوثائق تكشف أن معلومات حاسمة ومهمة فى الحرب لم تنقلها الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية «أمان» إلى رئيسة الوزراء الإسرائيلية آنذاك جولدا مائير.

وتتعلق إحدى الوثائق بشهادة ألفريد «عاينى»، الذى كان آنذاك مساعدا لرئيس الموساد الإسرائيلى تسفاى زامير، والذى استقبل برقية درامية عاجلة من لندن فى الليلة الفاصلة بين 4 و5 أكتوبر 1973. وكانت البرقية من مسؤول الموساد الذى يتولى تشغيل العميل المصرى أشرف مروان، بحسب الوثائق الإسرائيلية، الذى كان يحمل اسما كوديا هو «الملاك». وكانت البرقية تتضمن إشارة واضحة على قرب اندلاع الحرب، بالإضافة إلى طلب مروان أن يأتى إليه رئيس الموساد زامير لمقابلته بشكل عاجل.

وكان أشرف مروان صهر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ومستشارا للرئيس الراحل محمد أنور السادات، ولقى مصرعه فى لندن، فى ظروف غامضة، منذ 5 سنوات تقريبا.

وقال «عاينى» فى شهادته أمام لجنة أجرانات: «لم نستقبل برقية من هذا النوع من قبل، فقد طلب المصدر «أشرف مروان» أن يذهب رئيس الموساد تحديدا لمقابلته، الأمر الذى يعنى أن لديه معلومات مهمة للغاية، وأدركت أن ذلك دليل على أن الحرب ستندلع.

وتقول الصحيفة إنه مع ذلك، لم تدرك القيادة الإسرائيلية أهمية الوقت وحجم الخطر، وتأتى هذه الوثائق بعد 39 عاما لتكشف حجم التقصير الإسرائيلى الذى أدى إلى كارثة الهزيمة فى الحرب.

وطلبت لجنة «أجرانات» من «عاينى» والعميد يسرائيل «ليئور»، الذى كان السكرتير العسكرى لرئيسة الوزراء جولدا مائير، توضيح أسباب عرقلة إبلاغ المسؤولين بمعلومة استخباراتية مهمة تشير إلى قرب اندلاع الحرب، وكيف تم إهدار وتجاهل هذا الإنذار المبكر الذى وصل من أهم مصدر للموساد على الإطلاق، وإخفاؤه عن جولدا مائير.

بعد وصول البرقية الدرامية من لندن إلى الموساد الإسرائيلى، وكانت تتضمن كلمة «كيمياء»، وهى إشارة إلى أمر خطير حسب الاتفاق بين الموساد وعميله، قرر «عاينى» أن يوقظ رئيس الموساد زامير من نومه رغم الوقت المتأخر ليلا، وعدم الانتظار حتى الصباح. وقال عاينى: «اتصلت به هاتفيا على الفور، وحكيت له بشكل عام ما حدث، واستمع لى، وقال لى: شكرا، حسنا، سأذهب لرؤيته فى الصباح».

وتشير الصحيفة إلى أن أشرف مروان سبق أن حذر إسرائيل عدة مرات من حرب وشيكة، ورفعت إسرائيل درجة استعداد جيشها، ولم يكن يحدث شىء فى كل مرة من المرات السابقة، لكن «الملاك» لم يطلب اللقاء برئيس الموساد من قبل.

سارع مساعد رئيس الموساد، عاينى، إلى تدبير رحلة طيران لـ«زامير»، واتصل به مرة ثانية للتأكيد عليه. ويقول: «فى تلك المرة حكى لى رئيس الموساد أن رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية «أمان» اتصل به هاتفيا، وأخبره بمعلومات عن استعداد السوفيت للرحيل من سوريا. فقلت لرئيس الموساد إن ما قاله رئيس المخابرات العسكرية يتفق تماما مع ما أخبرته به ليلة أمس، واتضح لى عندئذ أن رئيس الموساد لم يفهم ما قلته له بشكل كاف، ويبدو أنه كان شبه نائم ولم يستوعب ما قلته له بشأن انذار مبكر عن الحرب. وقال لى انه سيتصل هاتفيا مجددا برئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية لإخباره بالأمر، وكى أشرح له أن الأمر جاد للغاية على هذا النحو».

وبحسب ما قاله «عاينى»، وهو من مواليد العراق، كانت معلومة المخابرات العسكرية الإسرائيلية عن خروج السوفيت من سوريا، إلى جانب المعلومة التى أرسلها مروان من لندن، كافيتين لإقناعه بأنه لا يوجد خيار آخر. وقال: «اعتقدت أن ذلك إنذار ببدء الحرب، خاصة أن رئيس الموساد حكى لى عن خروج العائلات الروسية، فلم يساورنى الشك أبدا فى الأمر، ولذلك قلت له مرة ثانية».

وتوجه رئيس أركان الجيش الإسرائيلى الأسبق، يجال يادين، الذى كان أحد أعضاء لجنة أجرانات بسؤال إلى عاينى: لماذا لم يقم الموساد بنقل هذه المعلومة المفزعة إلى السكرتير العسكرى لجولدا مائير، العميد «ليئور»؟. فأجاب «عاينى» عليه قائلا إن «المخابرات العسكرية الإسرائيلية كانت الزبون الأساسى للمعلومة»، وقال: «هناك قاعدة ثابتة بأن كل المعلومات التى ترد من (الملاك)، ينبغى إرسالها إلى رئيس الوزراء، ولكن ذلك كان سيستغرق عدة ساعات، ولم أفكر بأى شكل من الأشكال فى إيقاظ (ليئور) ليلا».

وأوضح «عاينى» أنه قام فى الصباح بالاتصال هاتفيا بالسكرتير العسكرى لرئيسة الوزراء، ولكنه كان فى اجتماع. وقال: «تركت له معلومة بضرورة أن يتصل بى فور خروجه من الاجتماع، واتصل بى ليئو» فعلا قبل الظهيرة، وحكى لى أن نقاشا جرى فى الحكومة حول الموضوع، وأن رئيسة الوزراء سمعت من وزير الدفاع عن سفر رئيس الموساد إلى الخارج. وفى حديث لى مع «ليئور»، ذكر لى أنه كان من الأفضل أن أصر على إخراجه من اجتماع الحكومة، وألا أنتظر حتى ينتهى».

وتساءل ««يادين»» عما إذا كان هناك خلل فى التعامل مع معلومة كهذه، مما ترتب عليه عدم وصولها إلى رئيسة الوزراء ووزير الدفاع. فأجاب عاينى: «إن تقديم المادة إلى رئيس الوزراء لم يكن واردا للاحتياجات العملياتية، ولذلك لم يكن يبدو لى طبيعيا أن أقوم بإيقاظ «ليئور» ليلا. فمن الممكن أن أوقظه لأحكى له عن احتمال وقوع انفجار مثلا، لأن ذلك يدخل فى نطاق مهامه».

وتطرق التحقيق مع «عاينى» إلى النظرية التى تقول إن أشرف مروان كان عميلا مزدوجا، الأمر الذى أثار ضجة كبيرة فى أروقة الاستخبارات الإسرائيلية لعشرات السنين، وما زال رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية آنذاك، إيلى زعيرا، متمسكا بتلك النظرية حتى يومنا هذا.

قال عضو اللجنة، النائب العام لإسرائيل إسحاق نيبنتسال: «كان يمكن نقل المعلومة نفسها بدون سفر رئيس الموساد، ببساطة «انظروا، ستندلع الحرب»، وقال عضو آخر، وهو رئيس الأركان الإسرائيلى الأسبق «يادين»، «كان لدينا أيضا خطة الحرب»، وأجاب «عاينى» قائلا: «لقد أتى بشىء خاص من نوعه، بالنسبة له كان يملك شيئا فريدا وخاصا يستحق أن يستدعى اكبر مسؤول لتسليمه المعلومة».

نيبنتسال: من ناحية أخرى أيضاً، كان يدرك أن تأخير المعلومة لمدة 24 ساعة يعنى تأخيرنا عن فعل أى شىء.

«عاينى»: هذا صحيح، ولكن ربما لم يفكر «مروان» بهذا الشكل، ولم يكن العامل الأمنى فى باله، أو على الأقل لم يكن حاسما».

نيبنتسال: قلت هنا أمرا مهما للغاية. لو لم يكن مروان حريصا على موضوع الأمن، لوجد وسيلة أخرى لنقل المعلومة، فقد كانوا يرونه عميلا مزدوجا، ولم يكن ينبغى عليه أن يخاف بهذا الشكل من أن يشعروا بأنه يتحدث إلينا. ربما كان له تأمين مضاد، بالإضافة إلى أنهم كانوا يعرفون أنه يتصل بنا، لا أقول إنهم كانوا يعرفون كل اتصالاته بنا.

«عاينى»: أعتقد أننا إذا عدنا إلى الوراء، وراجعنا الأمور التى أبلغنا بها، سوف نتأكد على الفور أن هذا الأمر لم يكن فى باله.

نيبنتسال: لا أحد أبدا يعلم الطرف الذى يخدعه العميل المزدوج، أو الطرف الذى يخدمه ويعمل لصالحه. وأنا أفهم من كلامك أن مروان كان يخدمنا بإخلاص، ولكن ربما كان متنكرا خلال ذلك فى صورة عميل مزدوج.

«عاينى»: كان من السهل عليه ألا يخرج من بلاده، وألا يبلغنا بأى معلومات، وعندها لم نكن سنعرف أى شىء على الإطلاق، ولم يكن بوسع أحد أن يتهمه بأى شىء أو يسأله لماذا لم تسافر، لأننا نعلم أنه لم يكن قادرا بالضرورة على ذلك.

فى 6 ديسمبر 1973، أى بعد شهرين من الحرب، وقف أمام لجنة «أجرانات» العميد «ليئور»، السكرتير العسكرى لجولدا مائير. وتركزت شهادته والتحقيقات معه حول مسارات وطرق نقل المعلومات الحساسة إلى رئيس الوزراء. هل من المحتمل أن وقتا ثمينا ضاع منذ لحظة وصول إنذار الحرب حتى وقوع الحرب نفسها؟.

قال «ليئور» إنه خلال الفترة التى سافرت خلالها جولدا مائير إلى خارج إسرائيل، قبل أيام قليلة من اندلاع الحرب، كان حريصا على إحاطتها علما بكل المعلومات الحساسة الممتعلقة بالوضع الراهن. وقال: «كانت المعلومة تصلها بأى طريقة كانت، فإذا اعتقدنا أنه ينبغى أن تصلها تلك المعلومة، نحرص على وصولها إليها بسرعة».

وتحدث «ليئور» لأعضاء اللجنة عن معلومة أبلغها رئيس الموساد زامير إلى رئيسة الوزراء جولدا مائير، قبل أسبوعين من اندلاع الحرب. كانت المعلومة الاستخباراتية تشير إلى إرسال روسيا صواريخ من طراز «سكود» إلى مصر، وكان ذلك أول إشارة على أن الحرب تقترب.

وقرأ «ليئور» على أعضاء اللجنة الكلمات التالية من محضر حديث بين زامير ورئيسة الوزراء: «هل تعلمين أننا حصلنا على معلومات عن صواريخ يصل مداها إلى 300 كيلو متر، يبدو أنها صواريخ سكود، ولدينا معلومات تؤكد ذلك، وهناك صواريخ يتراوح مداها بين 100 و300 كيلو متر، لها رؤوس كيماوية ونووية».

أصيب نيبنتسال بالدهشة من الكلمات التى سمعها، وتساءل: «هل هذا الكلام مكتوب؟ أريد أن أتأكد من ذلك». ثم كرر «ليئور» قراءة العبارة: «لها رؤوس كيماوية ونووية».

وورد فى المحضر أن رئيس الموساد زامير قال خلال اللقاء: «أنا مضطر إلى القول إننى فوجئت تماما مما يفعله الروس». وبحسب كلام السكرتير العسكرى «ليئور»، شدد زامير أمام جولدا على أن ذلك يعد تصعيدا واضحا. وقال: «هناك أدلة على أن تلك الصواريخ فى طريقها إلى مصر، أو وصلت إلى هناك فعلا.. رئيسة الوزراء، هل نتحدث فى ذلك مع «تم حذف اسم الشخص الذى ورد اسمه خلال اللقاء من الوثائق التى تم الكشف عنها»؟». لكن الصحيفة الإسرائيلية تقول إن رئيس الموساد كان يقصد الأمريكيين على ما يبدو.

وتطرق «ليئور» إلى الفكرة الرائجة آنذاك فى موضوع نقل الصواريخ الروسية إلى مصر، والتى كانت تعنى أن لذلك أهمية درامية فى التدليل على النوايا المستقبلية لمصر. فقال: «إن مصر والدول العربية كانوا يقولون طوال السنوات السابقة، منذ حرب الأيام الستة (حرب يونيو 1967) إن مشكلتهم الرئيسية إنهم غير قادرين على ضربنا فى العمق، فقد كانت مشكلتهم هى العمق، وكان من الصعب أن يتسللوا إلى العمق، وكان هناك نقاش حول ذلك.. ولن أدخل فى هذا الموضوع الآن، لأننى لست فى منصب ايلى زعيرا (رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية) ولا تسافيكا زامير (رئيس الموساد)».

تابع «ليئور» قراءته لمحضر اللقاء بين جولدا مائير وزامير، وأن زامير رأى فيما حدث، من بين كل الاحتمالات، جزءا من «ماستر بلان»، أى خطة رئيسية يجرى تنفيذها.

فى 30 سبتمبر 1973، أشار عضو اللجنة، «يادين»، طلبت المخابرات المركزية الأمريكية «سى. آى. إيه» من إسرائيل تفاصيل عن معلومات حصلت عليها الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية عن خطة حرب سورية. ووجه «يادين» سؤالا إلى «ليئور»: «من قام بالتصديق على الإجابة فى صورتها النهائية إلى الأمريكيين؟ هل هو رئيس الوزراء أم وزير الدفاع؟ أم أن الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ردت على جهاز مخابرات أجنبى من تلقاء نفسها؟. فقال «ليئور»: «أعتقد أن 99% من عمليات التقييم الدورية، كانت تجرى على مستوى أعضاء الأجهزة الاستخباراتية، بدوزن توجيه من القيادة العسكرية».

وقال السكرتير العسكرى إنه لم يحدث فى أى مرحلة أن قامت القيادة العسكرية بإبلاغ جولدا بأى تقديرات مختلفة تتعلق بالمعلومات الاستخباراتية. وأضاف: «فى أغلب الحالات، كانت تحصل على معلومات من نوع واحد، لم يكن يتم إطلاعها على آراء مختلفة، أو بدائل. لم تحصل على معلومات بشأن آراء مختلفة، ولا أذكر أن حدث ذات مرة أنهم جاءوا وقالوا بصورة واضحة أو بأى شكل من الأشكال.. نحن ضد هذا الموضوع».

ووجه رئيس أركان الجيش الإسرائيلى الأسبق حاييم لاسكوف سؤالا إلى «ليئور» حول ما إذا كان رئيس الموساد زامير قد أعرب عن رأيه أمام جولدا خلال الأيام التى سبقت اندلاع الحرب، فأجاب «ليئور»: «هل تذكر من تلك الفترة بعد رأس السنة أن رئيس الموساد وضع كل ثقله وقال لرئيسة الوزراء: ليس عندى شىء محدد لأقول ذلك، ولكن انطباعى من كل المعلومات الاستخباراتية أننا ذاهبون إلى حرب جديدة؟». فأجاب «ليئور» بالنفى، وقال: «فى 4 أكتوبر 1973، أى قبل يوم واحد من حصولنا على معلومة خروج العائلات السوفيتية من مصر وسوريا، تم عقد اجتماع، وهناك ألقى العقيد جارا سابا محاضرة عن الوضع على الجبهتين المصرية والسورية، بالنيابة عن رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وعرض الوضع كما تراه الاستخبارات العسكرية، الذى يتلخص فى وجود احتمالات ضعيفة لاندلاع الحرب، ولم يختلف رأى رئيس الموساد عن ذلك، ولم يتطرق إليه». وأكد «ليئور» أن تقديرات الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية كانت حاسمة دوماً، وقال: «حتى فى أصعب الأوقات، لأن ذلك كان يوم الجمعة، أى عشية اندلاع الحرب، كان التقدير والتفكير قائماً على تقدير الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية. وقمنا فى ذلك اليوم بإبلاغ الأمريكيين بآخر تقديراتنا».

بالعودة إلى الشهادة التى أدلى بها «عاينى»، والتى تركزت حول الإنذارات التى لم تصل إلى مكتب رئيسة الوزراء. أشار «يادين» إلى أنه فى أول أكتوبر 1973، حصلت إسرائيل على برقية تتضمن معلومات عن نية سوريا شن هجوم عسكرى على إسرائيل، وفى اليوم التالى وصلت برقيات أخرى تؤكد المخاوف من وقوع هجوم سورى. وأكد رئيس الأركان الإسرائيلى الأسبق، «يادين»، أنه لم تصل إلى السكرتير العسكرى لجولدا مائير أى من هذه البرقيات. ويسأل القاضى «أجرانات»، رئيس لجنة التحقيق: ولا واحدة من تلك البرقيات؟»، فيؤكد «يادين» قائلاً: «ولا واحدة».

وبحسب «عاينى»، فإن معايير نقل المعلومات «الخام»، أى بدون تحليل استخباراتى، إلى رئيسة الوزراء، كانت تقضى بنقل الأمور والمسائل التى «يعتقد رئيس الموساد أنها قد تهم رئيسة الوزراء شخصيا، وليس لأنه قد يؤثر على شىء عملياتى. وقد أدركت أنا ذلك الأمر. وإذا أمعنا النظر فى تلك الملفات، لاحتجنا شهرين أو ثلاثة شهور، ويبدو تقريبا أنه لم يتم نقل معلومات تتعلق بموضوع التصعيد وتعاظم قوة الأعداء، أو شراء الأسلحة، أو استعداد للحرب، إلى رئيسة الوزراء». وأكد أنه أجرى عدة مكالمات هاتفية مع «ليئور»، وقال: «فى تلك المكالمات الهاتفية كان يتم نقل المعلومات».

«يادين»: سألنا العميد «ليئور»، ولا أعلم أنه لم يحصل على تلك المعلومات، فماذا كان رده ورد «جولدا» على مجموعة البرقيات تلك. وهو يقول: إننى أسمع الآن لأول مرة فى حياتى عن تلك البرقيات».

وأشار «يادين» إلى أنه كان ينبغى عليهم أن ينقلوا المعلومة المهمة فى صورتها «الخام» إلى رئيسة الوزراء. وقال: «تبين لنا أن هذه البرقيات، فى صورتها الخام، تم نقلها بواسطة الاستخبارات العسكرية إلى وزير الدفاع ورئيس الأركان، لكن لسبب ما، لم يتم تضمينها فى التقييم الذى أعدته الاستخبارات العسكرية للوضع». وقال عاينى، مساعد رئيس الموساد، إن الموساد ليس الطرف المسؤول عن إحاطة رئيسة الوزراء بأمور معينة، وأوضح أنه عندما يقرأ شخص ما تقريرا استخباراتيا لتقييم وضع ما، ثم يقرأ المعلومات فى صورتها الخام، فإنه يفهم التقرير أفضل كثيرا، لأن المعلومات الخام تتضمن تفاصيل إضافية. وبحسب مساعد رئيس الموساد، «عاينى»، فإن عدم حرص الاستخبارات العسكرية على وضع المعلومات التى حصلت عليها، فى سياق التقرير التجميعى، هو ما أدى إلى فقدان وضياع تلك المعلومة الحساسة، وعدم الاهتمام بها.

وقال «يادين» إن «الأمر يبدو وكأن شيئا ما سقط بين الكراسى»، معبرا عن اندهاشه من طريقة التعامل مع معلومة حساسة بهذا الشكل، وعن إنذارات بهذا الشكل، ومتسائلاً كيف لم يلاحظ أى مسؤول بالموساد أن المعلومة التى أرسلها العميل، غير موجودة فى التقرير التجميعى للاستخبارات العسكرية. وأضاف: «أنا لا أفحص ما إذا كانت الاستخبارات العسكرية تنقل إلى رئيسة الوزراء معلومة من هذا النوع أو ذاك فى صورتها الخام، فأنا أعلم أن الاستخبارات العسكرية، وفقاً لتقديرى، تنقل كل المادة الخام التى ننقلها إليها، إلى رئيسة الوزراء».

وتساءل عضو لجنة التحقيق، قاضى المحكمة العليا موشيه لاندوى: «كالعادة، اعتمدتم على تقييم المعلومات الخام، الذى أعدته الاستخبارات العسكرية، باعتبارها الهيئة التى تتولى إعداد التقييم؟

«عاينى»: ليس تقييما، وإنما معالجة وتجهيز لتلك المعلومات. لقد انطلقنا من فرضية أننا ننقل المعلومات إلى رئيسة الوزراء.

ويرى «يادين» أن أوجه القصور والتقصير الاستخباراتى تكمن فى تلك النقطة، وقال: «يحدث هنا أمر مزدوج وخطير، فالجميع يعتمد على تقديرات الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية».

وأشار «يادين» أمام «عاينى» إلى أنه وفقا للوثائق الموجودة بين يدى أعضاء لجنة التحقيق، سبق أن أعلن العميل عن حرب وشيكة، فى إبريل 1973، مما ترتب عليه رفع درجة الاستعداد فى الجيش الإسرائيلى، وتم عندها نقل المعلومة فى صورتها الخام إلى رئيسة الوزراء مباشرة. الأمر الذى دفع «يادين» إلى التساؤل: «ما الفرق بين هذه الوثيقة والوثيقة السابقة؟»، محاولا البحث عن سبب لعدم إبلاغ رئيسة الوزراء بأمر البرقية التى أرسلها أشرف مروان قبل وقوع حرب أكتوبر بساعات. لكن «عاينى» يجيب قائلا: «لا أستطيع أن أخبرك لماذا حدث ذلك.

 

_____________

م.البحيري . المصري اليوم

Share
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error:
إغلاق
إغلاق